المقدمة :-
تمتلك الإدارة العديد من الامتيازات التي تختص بها السلطة العامة ومن أههم المظاهر الخاصة بتلك الامتيازات هو قدرة الإدارة على استخدام سلطتها حتى تفرض إرادتها المنفرد لتقرر مجموعة من القرارات التي ترتب لها الحقوق والالتزامات في مواجهة الغير ودون حاجة الإدارة للحصول على رضا الغير أو موافقاتهم ، فالقرار الإداري يعد من القرارات التي تصدر بإرادة المنفردة لأنه احدى مظاهر السلطة العامة للإدارة .[1]
تعد تلك القرارات الإدارية التي تصدرها السلطة الإدارية من أهم الوسائل القانونية التي تباشر بها الإدارة نشاطها الإداري بهدف تحقيق المصلحة العامة ،فمن خلال القرار الإداري تستطيع الإدارة أن تفصح عن إرادتها الملزمة حتى تستطيع الوصول لتحقيق أهدافها أو تقوم بالواجبات المنوطة بها على أفضل وجه ،[2] فالقرارات الإدارية تعد من أهم مظاهر الاتصال المباشر بين الإدارة والأفراد ، ولأن موضوعات القرار الإداري يعد من أهم موضوعات القانون الإداري وأدقها ويثير العديد من الإشكالات العملية والنظرية ،فيقوم الباحث بدراسة القرار الإداري بطريقة مفصلة وهذا بإجراء دراسة مقارنة بين القانونين المصري والكويتي.
المبحث الأول:- ماهية القرار الإداري
يعد العمل الإداري هو من اقدم المظاهر التي تقوم بها الدولة ، وهذا لأنه من اختصاص السلطة التنفيذية ولأيمكن قيام دولة بدون وجود سلطة تنفيذية بها لأنها العمل الحيوي الحى المتمم لحياة تلك الدولة ولهذا تقوم تلك السلطة أثناء إداراتها بإصدار القرارات الإدارية ،وفى هذا المبحث سنناقش مفهوم القرار الإداري في المطلب الأول وخصائص القرار الإداري في المطلب الثاني .
المطلب الأول:- مفهوم القرار الإداري
لم يقم المشرعين الكويتي والمصري بوضع تعريف محدد للقرار الإداري وتركا الأمر لاجتهادات لفقه والقضاء ،ولقد تناول الفقهاء تعريف القرار الإداري وكلاً حسب رايه ، فلقد عرفه البعض بإنه إعلان للإرادة بقصد إحداث أثر قانوني مقابل الأفراد ويصدر من السلطة الإدارية في صورة تنفيذية أي في صورة تؤدى مباشرة الى التنفيذ المباشر،[3] وعرفه البعض الاخر بإنه كل عمل إرادي يتدخل قصدا لإحداث تعديل في الأوضاع القانونية الموجودة منذ لحظة اتخاذه أو التي ستوجد في لحظة مستقبلية معينة ،[4] وعرف أيضاً بإنه عمل قانوني يصدر من جانب واحد بإرادة السلطات الإدارية في الدولة ويحدث آثاراً قانونية بإنشاء وضع قانوني جديد او تعديل أو إلغاء وضع قانوني قائم .[5]
بالنسبة للقضاء ،فلقد عرفت محكمة التمييز الكويتية الكويتية القرار الإداري بإنها ” هو إفصاح جهة الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى اللوائح والقوانين بقصد إحداث أثر قانوني معين ومتى كان ذللك ممكنا وجائزاً قانوناً ، وكان الباعث عليه هو ابتغاء مصلحة عامة” [6]
ولقد عرفته المحكمة الإدارية العليا المصرية بإنه ” كل إفصاح من جانب الإدارة العامة يصدر صراحة أو ضمنا من إدارة هذه المصلحة في أثناء قيامها بأداء وظائفها المقررة لها قانوناً في حدود المجال الإداري ، ويقصد منها إحداث أثر قانوني ويتخذ صفة تنفيذية والقرار أو الأمر الإداري على خلاف القوانين واللوائح يتم ويحدث أثره القانوني بمجرد صدوره، وتتوافر له القوة التنفيذية بغير حاجة إلى إعلانه أو النشر عنه اللهم إلا إذا كان الإعلان أو النشر عنصرا أساسيا في كيانه ووجوده”[7]
ولكن وجه انتقادات لهذا التعريف حيث لا يتصف بالدقة في التعبير أنه يتحدث عن إفصاح الإدارة ولا ينطبق معنى الإفصاح إلا على القرارات التي تصدرها الإدارة صراحة ؛في حين أنه لا يتضمن القرارات الإدارية الضمنية التي تحوز على نفس القيمة القانونية التي للقرارات الإدارية الصريحة ثم ان هذا التعريف القضائي للقرار الإداري اهتم اهتماما واضحا بسرد شروط صحة القرار الإداري في حين لم يهتم بإبراز خصائص القرار الإداري المميزة له عن العمل الإداري المادي؛ بالإضافة الى أن هذا التعريف جعل آثار القرار الإداري تنصرف فقط إلى “إحداث مركز قانوني معين؛ بينما لا تقتصر آثار القرار الإداري على إنشاء مركز قانوني ؛ بل و يعدله في بعض الأحيان؛ أو يلغيه في أحيان أخرى.
ولقد عرفته محكمة القضاء الإداري المصرية بأنه “إفصاح الجهة الإدارية المختصة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين يكون ممكنا وجائز قانونا ابتغاء مصلحة عامة“[8]
ولقد قامت المحكمة الإدارية العليا المصرية باستبدال جملة “إحداث مركز قانوني معين” بجملة “إحداث اثر قانوني معين” ومما لا شك فيه أن كلمة “أثر” أكثر اتساعا وأكثر مسايرة لمعنى القرار الإداري حيث أنه من الممكن أن يكون هذا الأثر هو إنشاء أو إلغاء أو تعديل مركز قانوني معين وليس مجرد إحداث هذا المركز القانوني فقط.
اذن من خلال كل تلك التعريفات السابقة الفقهية والقضائية ،يمكن لنا وضع تعريف محدد للقرارات الإدارية وهو ” إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها سلطة بمقتضى القوانين والأنظمة وذلك يقصد إحداث أو تعديل مركز قانونيا معين متى كان ذلك ممكناً أو جائزاً قانوناً ” ويستفاد من هذا التعريف انه من الممكن الطعن على القرارات الإدارية.
المطلب الثاني:- الخصائص المميزة للقرار الإداري
يتميز القرار الإداري بمجموعة من الخصائص المميزة له عن غيره من القرارات الاخرى وهذا لأنه عمل قانوني يصدر عن الإرادة المنفردة لجهة الإدارة ويحدث أثراً قانونياً ويتميز بالاتي:-[9]
اولاً:- القرار الإداري عمل قانوني
يعد القرار الإداري عملاً من الأعمال القانونية التي تصدر عن الجهة الادارية ، وهذا لأنه عمل يهدف إلى إحداث اثر قانوني معين وهو يختلف عن الأعمال المادية للإدارة والتي عادة ما يكون محلها دائماً وقائع مادية ، ولابد ان يصدر القرار الإداري من الجهة المختصة به ، حيث أن القانون يقوم بتوزيع الاختصاصات بين الجهات الإدارية والاختصاص هو القدرة على مباشرة عمل إداري معين أو تحديد مجموعة من الأعمال التي يكون للإدارة أن تمارسها قانوناً وعلى وجه يعتد به ، ولأنه يتم تحديد الاختصاصات الخاصة بكل سلطة إدارية بموجب القوانين ،فلا يجوز للسلطة الإدارية تجاوز اختصاصها والا أصبح القرار الإداري الصادر باطلاً وهذا من قواعد الاختصاص تتعلق بالنظام العام في القانون المصري والكويتي .[10]
ثانياً:- القرار الإداري يصدر عن الإرادة المفردة للإدارة
يصدر القرار الإداري من جانب واحد فقط وهو الجهة الإدارية وبالتالي لا يعد القرار الإداري عبارة عن عمل قانوني يتكون من التقاء إرادتين أو أكثر مثل العقد الإداري ، بل يصدر القرار الإداري من إرادة واحدة وهى إرادة جهة الإدارة .
عند إصدار الإدارة للقرار الإداري فهي لا تحتاج الى موافقة الطرف الاخر” المعني بهذا القرار” ويعد ذلك من اشد امتيازات الإدارة أهمية وخطورة ، حيث أذا اختلف التكييف القانوني للإرادة يصبح عقد إداري وليس قرار إداري ويأخذ طابع العقد الإداري .[11]
في الدائرة الدائرية لمحاكم محكمة التمييز الكويتية قررت”
القرار الإداري هو الذي تفصح به جهة الإدارة عن إرادتها الملزمة بها لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين متى كان ممكنا وجائزا قانونا وكان الباعث عليه مصلحة عامة . تميزه عن أعمال الإدارة التي تخرج عن اختصاص الدائرة الإدارية المختصة نوعيا بنظر المنازعات الإدارية . لمحكمة الموضوع سلطة فهم ما تصدره الإدارة من أعمال أو قرارات ذلك دون ما تقيد بما يطلقه الخصم من أوصاف ومسميات .
المبدأ : من المقرر- في قضاء هذه المحكمة- أن القرار الإداري هو ذلك الذى تفصح به جهة الادارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد احداث اثر قانوني معين متى كان ممكنا وجائزاً قانوناً وكان الباعث عليه مصلحة عامة وهو يتميز عن أعمال الادارة التي تخرج عن اختصاص الدائرة الادارية المختصة نوعياً بنظر المنازعات الادارية بأن الأول يجب أن يكون مسبوقاً أو مصحوباً بقصد احداث أثر قانوني معين سواء كان إنشاء حالة قانونية معينه أو تعديلها أو إلغاءها بالإرادة المنفردة الملزمة للسلطة الإدارية في حين ان تلك الأعمال سواء كانت مادية أو إجراءات تنفيذية تباشرها جهة الادارة تنفيذاً لأحكام القانون لا يترتب عليها بذاتها آثار قانونية معينه إلا ما كان منها وليد إرادة المشرع مباشرة. ولمحكمة الموضوع سلطة فهم ما تصدره جهة الادارة من أعمال أو قرارات وتعطيها وصفها القانوني الحق وفقاً لما هو ثابت لديها في الأوراق دون تقيد بما يطلقه عليها الخصوم من أوصاف ومسميات لأن العبرة في التكييف القانوني بفحوى التصرف ومرماه لا بصيغته ومبناه.“[12]
ثالثاً:- القرار الإداري يصدر عن سلطة إدارية وطنية
يجب أن يصدر القرار الإداري عن سلطة إدارية وطنية عامة تتمتع بامتيازات معينة تتمثل في سلطة إصدار القرار الإداري، وبالتالي لا يعد العمل أو التصرف الصادر عن سلطة عامة أخرى غير إدارية قرارا إداريا مثل ما يصدر عن السلطة التشريعية أو السلطة القضائية وبالإضافة الى ذلك لا يعد العمل أو التصرف الصادر عن هيئة أهلية كالهيئات الخاصة ذات النفع العام، كالمؤسسات الصحفية و المدارس و المستشفيات الخاصة ، قرارا إداري .[13]
أعتبر مجلس الدولة المصري أن شركات القطاع العام من الأشخاص العامة بل عدها من أشخاص القانون الخاص ولم يمنحها امتيازات السلطة العامة ؛ وبالتالي لا تعد قراراتها قرارات إدارية، ولا تعد قرارات إدارية أيضا القرارات الصادرة من جهات إدارية عامة خارج حدود سلطتها العامة ؛ وبمقتضى صفة أخرى غير صفتها العامة ،[14] مثال ذلك: أن القضاء المصري لم يعد القرار الصادر من وزارة الأوقاف والخاص بإدارة مال شخص معنوي خاص (كالوقف) قرارا إداريا لأنه صادر عن وزارة الأوقاف بصفتها ناظرة على الوقف المتنازع على ريعه ؛ وبالتالي لا يعدو أن يكون إجراء من إجراءات التحفظ التي تقتضيها واجبات ناظر الوقف ومن ثم يكون هذا الإجراء خارجا عن اختصاص محكمة القضاء الإداري[15].
وهنا ما قضت به محكمة التمييز بأن: ‘”
لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن وزير الصحة العامة أصدر قراره رقم 86/2012 بإحالة الطاعن إلى التقاعد اعتباراً من 24/5/2012، ووردت الإشارة في ديباجة هذا القرار إلى صدوره استناداً إلى المادة 76 من المرسوم الصادر بنظام الخدمة المدنية، وإلى ما تفتضيه مصلحة العمل وقد طعن عليه الطاعن أمام القضاء وتمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بصدور القرار المطعون فيه مشوبا بعيب الانحراف بالسلطة ، واستدل على صحة هذا الدفاع بما هو ثابت في كتاب وكيل وزارة الصحة ـ المشار إليه ـ المؤرخ 28/5/2012 والمرفق بالأوراق والذي اشاد فيه بجهوده ـ أي بجهود الطاعن ـ وتميزه في عمله الوظيفي والإداري بالوزارة، وأقر بأن القرار الطعين لم يتغيا المصلحة العامة وأضر بمصلحة العمل ، وحرم جهة الإدارة من خبرات الطاعن، كما استدل على ذلك أيضاً بما ورد بكتاب وزارة الصحة ـ المرفق بالأوراق المرسل إلى ديوان الخدمة المدنية ـ المشار إليه ـ والذي طلبت فيه الوزارة من الديوان تمديد خدمة من يرغب من الاطباء الكويتيين حتى بلوغ سن السبعين للاستفادة من خبراتهم العملية والعلمية لتحقيق الصالح العام ـ وفي ذات الوقت تحيل الطاعن إلى التقاعد ـ وقد قدم الطاعن المستندات المشار إليها المؤيدة لهذا الدفاع ، بما كان يتعين على محكمة الاستئناف ان تعمل رقابتها على القرار الطعين في ضوء ما ساقه الطاعن في دفاعه سالف البيان نعيا عليه، إلا أنها قعدت عن ذلك، والتفتت عن هذا الدفاع ـ رغم جوهريته ولم تعرض لدلالة المستندات المشار إليها واقتصرت على القول في أسبابها أن الجهة الإدارية تتمتع بسلطة تقديرية في إصدار قرار إحالة الموظف الى التقاعد طالما كان مستحقا لمعاش تقاعدي ….. بما يجعل الحكم المطعون فيه مشوباً بالقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع الأمر الذي يعيبه ويستوجب تمييزه لهذا السبب دون حاجة إلى بحث باقي أسباب الطعن.“[16]
ومن ثم يكون هذا القرار مشوبا بعيب عدم الاختصاص الجسيم الذي ينحدر به إلى درجة الانعدام.
اذن يشترط في القرار لكي يعد قرارا إداريا أن يصدر من سلطة إدارية وطنية سواء أكانت داخل حدود الدولة أو خارجها دون النظر إلى مركزية السلطة أو عدم مركزيتها والعبرة في تحديد ما إذا كانت الجهة التي أصدرت القرار وطنية أم لا ليس بجنسية أعضائها وإنما بمصدر السلطة التي تستمد منها ولاية إصدار القرار ولنكون أمام قرار إداري ينبغي أن يصدر هذا القرار من شخص عام له الصفة الإدارية وقت إصداره ولا عبرة بتغيير صفته بعد ذلك ،[17] وهو ما يميز القرار الإداري عن الأعمال التشريعية والقضائية التي بيناها وفقا للمعيار الشكلي إذ يتم النظر إلى صفة الجهة التي قامت بالعمل والإجراءات المتبعة في إصداره ؛ اذن يجوز اعتبار القرارات الإدارية التي تصدر عن أشخاص القانون العام يجوز اعتبارها قرارات إدارية في حالة اعترف بها القضاء الإداري بالصفة الإدارية للقرارات الصادرة .
رابعاً:- القرار الإداري يحدث تغيير في المركز القانوني
حتى يصبح العمل الذى تقوم به الإدارة قراراً إدارياً فلا بد أن تكون نيتها قد اتجهت لأحداث أثر قانوني معين وهذا الأثر يعمل على إحداث تغيير في المركز القانوني للموجه اليه القرار بالتعديل أو التحديد أو الإلغاء ، ولهذا فإن العمال التحضيرية التي سبقت أصدار القرار الإداري لا تعد قرارات إدارية لانها لا تنتج بداية آثاراً قانونية معينة .[18]
يعد من تطبيقات ذلك حكم محكمة التمييز بإن ” السماح للأطباء الاختصاصيين الكويتيين بفتح العيادات الخاصة للعمل بها خارج أوقات الدوام الرسمي . لا يكون إلا بتصريح من وزير الصحة . جهة الإدارة تستقل بمناسبة إصدار القرار من عدمه وجوب أن يكون الباعث عليه ابتغاء المصلحة العامة .
المبدأ : أن نص المادة الأولى من القرار الوزاري رقم 393 لسنة 1998 الصادر من وزير الصحة علي أن يسمح للأطباء الاختصاصيين البشريين الكويتيين شاغلي وظيفة مساعد رئيس وحدة علي الأقل وأطباء الأسنان الاختصاصيين شاغلي وظيفة اختصاصي ( أ ) على الأقل بالوزارة بالعمل لحسابهم الخاص في القطاع الأهلي خارج الدوام الرسمي وذلك بتصريح من الوزير والنص في المادة الثانية منه علي أنه يجوز منح الأطباء الاختصاصيين الكويتيين المذكورين في المادة الأولى من هذا القرار تراخيص في فتح عيادات خاصة للعمل بها خارج الدوام الرسمي وفقا للشروط المقررة يدل علي أن السماح للأطباء الاختصاصيين الكويتيين بفتح العيادات الخاصة للعمل بها خارج أوقات الدوام الرسمي لا يكون إلا بتصريح من وزير الصحة ، وأنه ولإن كانت جهة الإدارة – وعلى ما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة – تستقل بتقدير مناسبة إصدار القرار الإداري من عدمه بمراعاة ظروفه ووزن الملابسات المحيطة به إلا أنه يجب أن يكون الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة وإلا شابة عيب إساءة استعمال السلطة”.[19]
المبحث الثاني:- أركان القرار الإداري
الركن هو ما لا يقوم الشيء الا به ، مما يعنى إذا تخلف هذا الركن في شيء أو امر يكون في حكم العدم ولا وجود له في الحقيقة والواقع ، وهكذا بالنسبة للقرار الإداري فحتى يوصف بالتصرف او العمل فلا بد من توافر عدة أركان له ، و يتميز القرار الإداري بمجموعة من الأركان المميزة حتى يصبح القرار مطابقاً للقانون ومشروعاً فلابد أن يكون صحيحاً ومكتمل لجميع أركانه ولا تشوبه أي شائبة ، وتنقسم اركان القرار الإداري الى فئتين ، حيث نناقش في المطلب الأول ؛ الأركان الشكلية للقرار الإداري وفى المطلب الثاني الأركان الموضوعية للقرار الإداري .
المطلب الأول:- الأركان الشكلية للقرار الإداري
تتشابه الأركان الشكلية للقرار الإداري في القانونين المصري والكويتي حيث تتماثل في ركن الاختصاص وركن الشكل أو الإجراءات .[20]
اولاً:- ركن الاختصاص
يعرف ركن الاختصاص بأنه الصلاحية التي تتمتع بها السلطة الإدارية لتخاذ لإجراء أو القيام يعمل من الأعمال القانونية وبالتالي لا تستطيع السلطة الإدارية أتخاذ قرار إداري بدون أن يكون هذا القرار داخل في اختصاصها ، و يعد ركن الاختصاص من اهم أركان القرار الإداري ويلزم لمشروعيته أن يصدر القرار ممن يملك الصلاحية والاختصاص في إصداره ، فاذا لم يصدر القرار عن السلطة المختصة به يصبح باطلاً ومشوباً بعيب عدم الاختصاص .[21]
ولكى يصبح القرار الإداري صحيحاً ومشروعاً لابد أن يصدر ممن يملك الاختصاص بإصداره من أعضاء السلطة الإدارية فإذا صدر القرار من غير مختص بإصداره يكون معيبا بعيب عدم الاختصاص ومعرضاً للإلغاء بمجرد الطعن فيه ، ويعد عيب عدم الاختصاص من أول العيوب التي أخذ بها مجلس الدولة الفرنسي للطعن بالإلغاء وسار مجلس الدولة المصري على نهجه ، نظرا لأهمية هذا العيب وأهتم به أيضا القانون الإداري الكويتي .[22]
يعد ركن الاختصاص هو الركن الوحيد من أركان القرار الإداري المتعلق بالنظام العام ، مما يقصد انه من حق القاضي الإداري التعرض له من تلقاء نفسه في حالة الطعن على القرار ولو لم يقم الفرد المدعى بإثارته في صحيفة دعواه .[23]
ولقد حكمت محكمة التمييز في حكم لها فيما يخص ركن الاختصاص على ” من المقرر – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة- أن المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 1991 بإنشاء الهيئة العامة لتقدير التعويضات عن خسائر العدوان العراقي، وان ناط بهذه الهيئة حصر الأضرار التي تسبب فيهما العدوان العراقي وتقدير الخسائر للمضرورين نتيجة للأعمال التي قام بها المعتدى خلال فترة غزوه للبلاد ، وتقدير التعويض الجابر لها وتقديمها إلى الجهات المختصة في الدولة للمطالبة بها تمهيدا لتحصيلها من المعتدى وصرفها للمتضررين إلا أن اختصاص هذه الهيئة في هذا المجال ليس من شأنه أن يحجب المحاكم عن نظر دعاوى التعويض المؤسسة على أي من مصادر الالتزام المحددة قانوناً لاقتضاء الحقوق المدعى بها ، باعتبارها صاحبة الولاية العامة بالفصل في تلك المنازعات . لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى تأسيساً على أن الاختصاص الذى قرره المشرع للهيئة العامة للتعويضات لا يحول دون اختصاص الدائرة الإدارية بنظر دعاوى العقود الإدارية والتعويض عنها فإنه يكون قد أصاب صحيح حكم القانون ويضحى النعي عليه بهذا السبب على غير أساس “[24]
ولقد قررت المحكمة الإدارية العليا في مصر في أحدى أحكامها أن ” إذا فقد القرار أحد أركانه الأساسية يعتبر قراراً معيباً سواء أعتبر الاختصاص أحد أركانه أو أحد مقومات الإرادة التي هي ركن من أركانه – مؤدى ذلك فإن صدور القرار من جهة غير منوط بها إصداره قانوناً أو غير مفوضة في إصداره يصمه بعيب عدم الاختصاص لما في ذلك من افتئات سلطة على سلطة أخرى ، وهذا العيب من النظام العام وللمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها – “[25]
اذن الاختصاص هو سلطة إصدار القرار الإداري وحتى يكون القرار سليماً يجب أن يصدر عن الموظف صاحب السلطة في إصداره وإلا كان معيباً بعيب عدم الاختصاص.
ثانياً:- ركن الإجراءات
يقصد بالشكل في القرار الإداري هو ضرورة أن تتقيد الإدارة بصورة واضحة ومعروفة عند إصدار قراراتها بشكل معين وأن تلتزم بإجراءات معينة حددها القانون ، ولكن كأصل عام الإدارة ليست ملزمة بالتقيد بشكل معين تفصح من خلاله عن إرادتها إلا أذا نص القانون على ذلك.
عيب الشكل ليس من العيوب المتعلقة بالنظام العام ما لم ينص القانون على غير ذلك ؛ حيث ان المحكمة لا تثير عيب الشكل في القرار الإداري او تتصدى له من تلقاء نفسها وإنما لابد ان يثيره أحد الخصوم في صحيفة الدعوى.[26]
أنقسم الفقه الإداري في مصر والكويت من تحديد المقصود بالشكل في القرار الإداري :-
الراي الأول:-
يرى الفقهاء في هذا الراي أن نطاق الإجراءات الإدارية يخرج من الشكل ، وأن المقصود بشكل القرار الإداري هو مظهره الخارجي أو طريقة تعبير الإدارة عن إرادتها الملزمة في القرار الصادر في حين أن الإجراءات هي الخطوات التي يجب أن يتبعها القرار الإداري في مرحلة التحضرية والاعداد قبل صدوره الى العالم الخارجي ، وان ماهية الإجراءات تختلف عن ماهية الشكل في القرار الإداري .[27]
الراي الثاني:-
يرى أصحاب هذا الراي أن الإجراءات الإدارية التي يمر بها أصدار القرار الإداري تندرج ضمن الشكل ، وأن عيب الشكل يتحقق في حالة عدم احترام القواعد الإجرائية أو الشكلية المقررة في القوانين واللوائح المنظمة لإصدار القرارات الإدارية سواء بإهمال القواعد كلها أو مخالفتها جزئياً وانه لا يوجد مجال للفصل بين الإجراء المتبع لإصدار القرار وشكله ،[28] ولقد ذهبت محكمة القضاء الإداري المصرية في تأييدها لهذا الراي ” أن نقل الموظفين لغاية الدرجة الأولى يجب أن يكون طبقاً للمادتين 27 و 28 من قانون الموظفين بعرضه على لجنة شئون الموظفين بالمصلحة وإن كان رأيها استشارياً فإن ذلك لا يبرر إغفال هذا الإجراء الذى أوجبه القانون لأغراض تتعلق بالمصلحة العامة ومن ثمة فإن إجراء النقل بدون عرضه على لجنة شئون الموظفين يعد عيباً شكلياً يعيب القرار “[29]
لقد قررت محكمة التمييز في حكم لها بخصوص الشكل” من المستقر عليه أن القضاء الإداري هو قضاء مشروعية يسلط رقابته على القرارات الإدارية ويقسط ميزانه لها طبقا للقانون وفي ضوء صحيح واقعها وما بنيت عليه اركانها والتحقق من استيفاء القرار الإداري لما تطلبه القانون فيه من شكل وإجراءات ، فإذا ما تبين له أن القرار المطعون فيه لم يصدر على النحو الذي طلبته القوانين واللوائح المنظمة له تعين القضاء بإلغاء القرار دون أن يحل القضاء نفسه محل الجهة الادارية صاحبة الاختصاص الأصيل في التقييم في ضوء العناصر والقواعد والإجراءات المنظمة له . ولما كان ذلك ، وكان الثابت مما تقدم أن تقدير كفاية المطعون ضده ( مدير إدارة التدقيق الداخلي بالصندوق الكويتي للعمية الاقتصادية العربية) عن عام 2008/2009 بتقدير جيد قد تخلف بشأنه إجراء جوهري وهو عدم التوصية به من لجنة الاشراف على التدقيق الداخلي بالصندوق مما يكون معه هذا التقرير قد صدر باطلاً ، وكان يتعين على المحكمة إلغائه الغاء مجرداً وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إعادة تقييم أداء المطعون ضده وفقاً للإجراءات الصحيحة ، إلا أن الحكم المطعون فيه قد تكب وجه الصواب وقضي بتقدير كفاية المطعون ضده بمرتبه ممتاز كأثر لهذا الالغاء وهو ما يخالف صحيح القانون وما استقر عليه قضاء هذه المحكمة بما يعيبه ويوجب تمييزه تمييزاً جزئيا في هذا الخصوص .“[30]
المطلب الثاني:- الأركان الموضوعية للقرار الإداري
تتمثل الأركان الموضوعية للقرار الإداري في المحل والغاية والسبب .
اولاً:-المحل
يقصد بمحل القرار الإداري هو موضوع القرار أو الأثر القانوني الذى ينشأ عنه ، وذلك يكون على حسب طبيعية القرار الصادر ويعد محل القرار الإداري هو جوهره ومادته وهذا هو ما يميز القرار الإداري كعمل قانوني عن العمل المادي الذى يكون محله ومتمثل بنتيجة من الواقع ، ولقد عرفت المحكمة الإدارية العليا المصرية المحل بإنه ” المركز القانوني الذى تتجه إليه إرادة مصدر القرار” لأحداثه والأثر القانوني الذى يترتب عليه مباشرته وفى الحال وهذا الأثر هو إنشاء حالة قانونية جديدة أو تعديل مركز قانوني قائم أو إلغاءه “[31]
ويعد عيب المحل في القرار الإداري يستوعب جميع العيوب التي تصيب القرارات الإدارية وتجعلها بأطلة لأن مخالفة الاختصاص المحدد بالقانون أو الخروج عن الشكل المقرر له أو إساءة استعمال السلطة والانحراف بها عن هدفها يعد في جميع الأحوال مخالفة للقانون ، اذن فمحل القرار الإداري يكمن في موضوعه أو الأثر القانوني الناشئ عنه والمتمثل بإنشاء حالة قانونية جديدة أو تعديل مركز قانوني قائم أو إلغاءه .[32]
حتى يكون القرار الإداري ركن المحل فيه صحيحاً ويكون تنفيذه ممكناً وجائزاً قانوناً فإنه يشترط:-
- أن يكون محل القرار الإداري ممكناً
يكون محل القرار الإداري ممكن إذا كان يوجد مجال لتنفيذه من الناحية الواقعية والقانونية ، وهذا الشرط يتمخض في ان يكون الأثر القانوني المترتب على القرار الإداري ليس مستحيلاً وغير ممكن ، مثل أن يصدر القرار بتعيين أحد الموظفين ثم يتضح أن التعيين قد تم على وظيفة مشغولة .[33]
ولقد ذهبت المحكمة المحكمة الإدارية العليا المصرية على ” متى كانت مدة خدمة المطعون عليه قد انتهت بالقرار الصادر من مجلس الوزراء في 7 يناير 1954 بالموافقة على اعتزاله من الخدمة فإن القرار الصادر بترقيته بعد ذلك ً في 19 يناير سنة 1954 يكون معدوماً إذا لم يصادف محل يقبله ويقع عليه حيث لم يعد المدعى عليه موظفاً قابلاً للترقية “[34]
وذهبت محكمة التمييز الكويتية الى ” إصدار الادارة قرارا تفرق فيه بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة توطئة للتمييز بينهم بما يخل بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة باعتبارهما من دعامات المجتمع . لا يجيز لها التحدي بالقاعدة سالفة الذكر في هذه الحالة . عله ذلك . عدم وجود قرار سابق خاطئ يقاس عليه ولكون القرار المطعون فيه نفسه انطوي على التمييز بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة وهو ما يصمه بعيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها المبرر لإلغاء القرار الاداري.“[35]
2. أن يكون محل القرار الإداري مشروعاً وجائزاً
المقصود أن ما يترتب على القرار الإداري يجب الا يكون مخالفا للنظام العام والآداب أو مخالفا لأحكام القانون .
ثانياً:- الغاية
ركن الغاية أو الباعث يعرف بإنه النتيجة التي يسعى رجل الإدارة إلى تحقيقها أو النتيجة النهائية التي يسعى رجل الإدارة الى تحقيقها بواسطة الأثر المباشر المتولد عن عمله ،[36] وركن الغاية هو النتيجة النهائية اليت يسعى رجل الإدارة الى تحقيقها أو الهدف الذي يستهدف تحقيقه القرار الإداري . و كمثال على ذلك نجد أن الهدف من إصدار قرارات الضبط الإداري هو حماية النظام العام بعناصره الأمن العام ، والصحة العامة و السكينة العامة.[37]
يجب أن تكون غاية القرار الإداري دائما المصلحة العامة فإذا ثبت أن الإدارة تسعى الى تحقيق مصلحة شخصية خاصة لمصدره او غيره بناء على طلبه أو الأضرار بشخص آخر للانتقام يعتبر القرار معيب بعيب إساءة استعمال السلطة .
ثالثاً:- السبب
يعد ركن السبب في القرار الإداري هو مجموعة من الحالات القانونية والمادية السابقة على اتخاذ القرار والدافعة للجهة الإدارية لاتخاذه ، ولذلك لا يمكن للجهة الإدارية اتخاذ القرار الا اذا ما توفر سبب قانوني أو واقعى ، أو مجموعة أسباب تدفع جهة الإدارة لأحداث اثر قانوني من خلال إصدار قرار إداري ، فالقرار الإداري يعد عمل قانوني يجب ان يقوم على سبب صحيح يبرره ويمثل علة لا صداره ،[38] ولقد قررت المحكمة الإدارية العليا المصرية على ” انعدام السبب المعقول المبرر للقرار الإداري وانطواء تصرف الإدارة على تمييز بعض الناس على حساب البعض الآخر دون مسوغ مقنع وأساس من الصالح العام – صورة من صور مشوبة القرار الإداري بالانحراف ، مثال :
1-أن الترخيص للأفراد بالانتفاع بجزء من المال العام يختلف في مداه وفيما يخوله للأفراد من حقوق على المال العام بحسب ما إذا كان هذا الانتفاع عادياً أو غير عادي ويكون الانتفاع عادياً إذا كان متفقاً مع الغرض الأصلي الذي خصص المال من أجله كما هو الشأن بالنسبة إلى أراضي الجبانات وأراضي الأسواق العامة وما يخصص من شاطئ البحر لإقامة الكبائن والشاليهات ويكون الانتفاع غير عادي إذا لم يكن متفقاً مع الغرض الأصلي الذي خصص له المال العام كالترخيص بشغل الطريق العام بالأدوات والمهمات والأكشاك ففي الانتفاع غير العادي يكون الترخيص للأفراد باستعمال جزء من المال العام من قبيل الأعمال الإدارية المبينة على مجرد التسامح ويكون الاختصاص بمنحه عادة لجهات الشرطة وتتمتع الإدارة بالنسبة إلى هذا النوع من الانتفاع بسلطة تقديرية واسعة فيكون لها إلغاء الترخيص في أي وقت بحسب ما تراه متفقاً مع المصلحة العامة، باعتبار أن المال لم يخصص في الأصل لمثل هذا النوع من الانتفاع وأن الترخيص باستعماله على خلاف هذا الأصل عارض موقوت بطبيعته ومن ثم قابلاً للإلغاء أو التعديل في أي وقت لداعي المصلحة العامة . أما إذا كان المال قد أعد بطبيعته لينتفع به الأفراد انتفاعاً خاصاً بصفة مستقرة وبشروط معينة فإن الترخيص به يتم من الجهة الإدارية المنوط بها الإشراف على المال العام ويصطبغ الترخيص في هذه الحالة بصبغة العقد الإداري وتحكمه الشروط الواردة فيه والقواعد القانونية التي تنظم هذا النوع من الانتفاع وهي ترتب للمنتفع على المال العام حقوقاً تختلف في مداها وقوتها بحسب طبيعة الانتفاع وطبيعة المال المقررة عليه على أنها في جملتها تتسم بطابع من الاستقرار في نطاق المدة المحددة في الترخيص أما إذا لم تكن ثمة مدة محددة فإن هذه الحقوق تبقى ما بقى المال مخصصاً للنفع العام وبشرط أن يقوم المنتفع بالوفاء بالالتزامات الملقاة على عاتقه وتلتزم الإدارة باحترام حقوق المرخص له في الانتفاع فلا يسوغ لها إلغاء الترخيص كلياً أو جزئياً طالما كان المنتفع قائماً بتنفيذ التزاماته وذلك ما لم تقم اعتبارات متعلقة بالمصلحة العامة تقتضي إنهاء تخصيص المال لهذا النوع من الانتفاع ودون إخلال بما للجهة الإدارية من حقوق في اتخاذ الإجراءات التي تكفل صيانة الأمن والنظام ولو تعارض ذلك مع مصلحة المنتفعين وجلي أن ترتيب هذه الحقوق لصالح المنتفعين بالنسبة إلى هذا النوع من الانتفاع مرده إلى أن الانتفاع في هذه الحالة يكون متفقاً مع ما خصص له المال العام فيتحقق النفع العام عن طريق تحقق النفع الخاص.“[39]
ولقد قررت محكمة التمييز الكويتية في حكم لها ” تسبيب جهة الإدارة لقراراتها. غير لازم. ذكرها أسباباً لها. مؤداه . خضوعها لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مطابقتها للقانون وأثر ذلك في النتيجة التي انتهى إليها القرار وتوافر وصحة الوقائع المادية والقانونية التي حملت جهة الادارة على إصداره .
قاعدة أنه لا يجوز الاستدلال أو القياس على أخطاء جهة الإدارة في وقائع مماثلة لإقامتها عماداً للحق المطالب به لأن الخطأ لا يبرر الخطأ ولا يقاس عليه . تطبيقها في حالة إصدار الجهة الادارية قراراً إداريا خاطئا أيا كانت درجة العيب فيه ثم معاودته إصدار قرار آخر قياسا عليه ومن ثم لا يجوز الاعتداد بالقرار الأول عند إصدار الثاني أو إدخاله كعنصر من عناصره . عله ذلك. أن مخالفة القانون لا تبرر التمادي في مخالفته لمنافاة ذلك لمبدأ المشروعية.
إصدار الادارة قرارا تفرق فيه بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة توطئة للتمييز بينهم بما يخل بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة باعتبارهما من دعامات المجتمع. لا يجيز لها التحدي بالقاعدة سالفة الذكر في هذه الحالة. عله ذلك. عدم وجود قرار سابق خاطئ يقاس عليه ولكون القرار المطعون فيه نفسه انطوي على التمييز بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة وهو ما يصمه بعيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها المبرر لإلغاء القرار الاداري.
المبدأ :- من المقررـ في قضاء هذه المحكمة ـ أن القرار الإداري يجب أن يقوم على سبب صحيح يبرره صدقا وحقاً أي في الواقع وفي القانون، وهو الحالة الواقعية أو القانونية التي تحمل الإدارة على التدخل منفردة بسلطتها الإدارية الآمرة بقصد إحداث أثر قانوني هو محل القرار ابتغاء المصلحة العامة الذي هو غاية القرار، وعلى ذلك فإن صحة القرار الإداري تتحدد بالأسباب التي قام عليها ومدى سلامتها على أساس الأصول الثابتة بالأوراق ومدى مطابقتها للنتيجة التي أنتهى إليها.“[40]
المبحث الثالث :- الجزاء المترتب على عدم مشروعية القرار الإداري
قد تعمل جهة الإدارة على مخالفة مبدا المشروعية في إصدارها للقرارات الإدارية ،ولكن المخالفة للقانون لا تكون بنفس القوة وقد يترتب عليه إبطال القرار الإداري وقد تكون جسيمة ويترتب عليها انعدامه ولهذا ثار الخلاف بين الفقه والقضاء للتمييز بين المخالفة البسيطة التي تسبب البطلان وبين المخالفة الجسيمة التي تسبب الانعدام.
المطلب الأول:- المعايير الفقهية للتمييز بين بطلان القرار الإداري الباطل والمنعدم
أختلف الفقهاء في وضع معيار واضح لبيان الاختلاف بين القرار الإداري الباطل والمنعدم ، فمنهم من أعتمد معيار اغتصاب السلطة والبعض أعتمد معيار الوظيفة الإدارية والبعض الأخر أعتمد معيار الظاهر والبعض أعتمد معيار تخلف الأركان.
اولاً:- معيار اغتصاب السلطة
يعد معيار اغتصاب السلطة من أقدم المعايير الفقهية التي قيل بها للتمييز بين القرار الباطل والقرار المنعدم لأن اول من تبنى هذا المعيار هو الفقيه “لافريير” والذى أنشا فكرة الانعدام في القرار الإداري ولقد حدد حالات الانعدام بصدور القرار من شخص لا سلطات له أطلاقاً،[41] لأنه لا ينتمى الى السلطة الإدارية أو لأن علاقته بالإدارة قد انقضت بسبب الفصل أو الاستقالة ، وأيضا في الحالة التي تعتدى فيها السلطة الإدارية على اختصاصات السلطة التشريعية او القضائية ، ولكن الفقيه لم يوضح متى يشكل القرار اعتداء على السلطة التشريعية أو القضائية حيث أكتفى بالقول بغنه ليس من السهل التمييز بين اغتصاب السلطة وعدم الاختصاص البسيط ،والامر يعتمد على طبيعية الأشياء.[42]
اعتنق هذا المعيار غالبية الفقه الفرنسي ولكنهم اختلفوا في تحديد حالات الانعدام فمنهم من وقف عند الحدود الذى نادى بها الفقيه “لافريير” بان الانعدام يتحقق في حالة إهدار مبدأ الفصل بين السلطات ولكن البطلان يتحقق في حالة اعتداء سلطة إدارية على اختصاصات سلطة إدارية أخرى ،وأضاف فريق آخر حالة الانحراف في استعمال السلطة الإدارية فغاية القرار الإداري هو تحقيق المصلحة العام فإذا انحرفت السلطة الإدارية عن تلك الغاية وحققت غاية أخرى تتعلق بتحقيق نفع شخصي يعد القرار منعدماً.[43]
لقد سار جزء من الفقه المصري على غرار هذا الراي وأيضا سار جزء من الفقه القانوني الكويتي على هذا الراي.
لقد حكمت محكمة التمييز الكويتية في احدى احكامها فيمت يخص عيب انحراف السلطة ب “
من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تقدير الدرجة التي يستحقها الموظف عن كل عنصر من العناصر الواردة بتقرير الكفاية هو أمر يترخص فيه الرئيس المباشر ومن يليه في المسئولية من الرؤساء و لجنة شئون الموظفين كل في حدود اختصاصه شريطة ألا تكون هذه التقديرات مشوبة بالانحراف أو بعيب إساءة استخدام السلطة كما أنه من المقرر أيضاً أنه لا يوثر في صحة وسلامة تقرير الكفاية أن يكون تقييم أداء الموظف مختلفاً عن تقييمه في السنوات السابقة لأن المبدأ في هذا الشأن هو سنوية التقدير بمعنى ضرورة قياس كفاءة الأداء لكل عناصره سنوياً ، ولو كان الموظف يستصحب دائماً تقرير كفايته لما أوجب المشرع قياس كفاءة الأداء سنوياً ، ولو كان كل موظف مستصحباً تقديراته السابقة سواء كانت ممتاز أو كانت غير ذلك وهو ما يخالف طبائع الأمور والتغيير الذي يطرأ على سلوك الفرد وانجازاته و كفاءته من عام إلى آخر، وبناء على ما تقدم فإن تقرير الكفاية يكون صحيحاً متى استكمل شرائطه المقررة واستوفى كافة المراحل والإجراءات التي رسمها القانون و استمد من عناصر مستخلصة استخلاصاً سائغاً . من ملف خدمة الموظف ولم يقم الدليل على أنه وقع مشوباً بالانحراف أو إساءة استعمال السلطة و معلوم أن عيب إساءة استعمال السلطة في القرار الإداري هو من العيوب القصدية التي يتعين على من يتمسك به إقامة الدليل عليه.“[44]
ثانياً:- معيار الظاهر
تعد فكرة الظاهر من الأفكار الأساسية في القانون الخاص فهي تطبق في القانون المدني لترتب على التصرف الباطل آثاره الأصلية ، فالظاهر المستقر الذي اطمأن إليه الناس في تعاملهم يبقى في حماية القانون حتى ولو خالف الحقيقة ويقوم كما لو كان هو الحقيقة ذاتها فيرتب القانون على تصرفات كل من الوارث الظاهر والمالك الظاهر فالمظهر أحيانا يساوي الحقيقة والمركز الواقعي يؤخذ بعين الاعتبار كما لو كان مطابقاً للقانون ، ولقد عرف القانون العام فكرة الظاهر كما عرفها القانون الخاص وفكرة الموظف الفعلي ما هي إلا إحدى تطبيقاته.[45]
ولقد أخذ بعض فقهاء القانون الإداري بهذه الفكرة للتمييز بين القرار الباطل والقرار المنعدم فالقرارات الإدارية هي خطاب موجه من قبل السلطة العامة إلى الأفراد ليلتزموا بها وينفذوها جبرأ عنهم ؛ فإذا تبين لهم أن شكل القرار ومظهره يدلان على صدوره من تلك السلطة كان عليهم أن ينفذوه وليس لهم الامتناع عن ذلك ولو ظنوا به اختلالا ولكن اذا تبين من خلال المظهر أنه لم يصدر من السلطة المختصة باتخاذه كان القرار معدوماً ولأترتب عليه مراكز قانونية .[46]
اذن يكون لفكرة الظاهر جانبين ، الجانب الإيجابي الذى يتمثل في ان يظهر التصرف أمام الأفراد بإنه قرار إداري يجب تنفيذه والجانب السلبى الذى لا يظهر به القرار بتلك الصفة امام الأفراد .
اخذ على هذا المعيار بإنه معيار فقهى بحت ولا يجد له سند في القضاء ولا يكفى وحده لنشاء المراكز القانونية ولهذا لم يهتم به الفقه الكويتي والمصري ووصفوه بإنه معيار غير قاطع وغير حاسم للتمييز بين القرار الباطل والمنعدم .
ثالثاً:- معيار الوظيفة الإدارية
اعتد بعض الفقهاء المصريين بإن الوظيفة الإدارية هي المعيار المحدد لأجل التمييز بين القرار الإداري الباطل والمنعدم ، حيث قرروا ان الفرق بين العمل الإداري الباطل والعمل الإداري المنعدم يعود الى فكرة الوظيفة الإدارية ، فإذا كان القرار أجنبياً عن الوظيفة الإدارية كان منعدما ،[47]وقد يخرج القرار عن الوظيفة الإدارية من ناحية من أصدره ؛ كما لو صدر من غير موظف أو من موظف لا يملك سلطة التقرير أو من موظف يملك سلطة التقرير ولكن قبل تعيينه مثلاً أو بعد انتهاء خدمته بسبب من أسباب انتهاء الخدمة كالفصل أو الاستقالة وقد يخرج القرار عن الوظيفة الإدارية من حيث مضمونه كأن يتعرض لموضوعات هي في الأصل من اختصاص السلطة التشريعية أو القضائية أو يدخل في اختصاص السلطة الحكومية وعندها يعتبر عملا من أعمال السيادة ويخرج عن اختصاص القضاء إلغاء وتعويضا.[48]
رابعاً:- معيار تخلف الأركان
يقوم هذا المعيار على أنه يوجد للقرار الإداري أركاناً لابد من توافرها والا أعتبر القرار منعدماً، ولو تخلفت شروط صحته كان القرار باطلاً ويأتي هذا المعيار قياساً على أركان العقد في القانون المدني ، ولكن الذين قالوا هذا المعيار اختلفوا حول ما يعد أركاناً للقرار الإداري ، وبسبب اختلاف الفقهاء فيه عجز هذا المعيار على تقديم صورة واضحة للفرق بين القرار الإداري الباطل والمنعدم .[49]
المطلب الثاني:- المعايير القضائية للتمييز بين القرار الإداري الباطل والمنعدم
لجأ مجلس الدولة الفرنسي في بداية أحكامه إلى سياسة مختلفة تماماً عن السياسة التي انتهجتها المحاكم العادية فيما يتعلق بالقرارات الإدارية المنعدمة ؛ حيث لم يسلم بها إلا في حدود استثنائية وذلك لمنع المحاكم العادية التي توسعت في حالات الانعدام من التعرض للقرارات الإدارية وحتى المنعدم منها وقد اقتصرت حالات الانعدام التي أقرها مجلس الدولة الفرنسي على حالتين فقط :-[50]
- عندما يدعى بوجود قرار لم يصدر فعلا إذ لم تجر في شأنه أية مناقشات أو أية إجراءات أو أعمال تحضيرية ، وهو ما يطلق عليها الانعدام المادي للقرار الإداري .
- اعتداء الإدارة على اختصاص السلطة التشريعية .
في أحدى أحكام محكمة التمييز .. تركت سلطة تحديد القرار الإداري المنعدم للمحكمة حيث نصت في أحدى أحكامها على ” المبدأ : من المقرر- في قضاء هذه المحكمة – أن استخلاص ما إذا كان القرار الإداري منعدماً أم لا هو من اطلاقات محكمة الموضوع متى اقامت قضاءها على اسباب سائغة تكفى لحمله وتؤدي إلي النتيجة التي انتهت أليها. وحيث أن المادة الثانية من قرار مجلس الخدمة المدنية رقم 25/2006 بشأن شروط شغل الوظائف الإشرافية بالوزارات والإدارات الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة تنص على أنه يكون الحد الأدنى لشروط شغل الوظائف الاشرافية في الجهات المشار إليها على النحو التالي : مؤهل جامعي تخصص+ خبرة لا تقل عن (٨) سنوات فعلية في مجال العمل…. على أن تضاف أربع سنوات فعلية لمدة الخبرة العملية لحمله الدبلوم التخصصي أو ما يعادله……
لما كان ذلك ، وكان الثابت بالأوراق أن المطعون على ترقيته قد حصل على دبلوم ثانوي تجاري وله مدة خبرة فعلية في مجال العمل تزيد على إثنى عشر عاماً و من ثم فإنه يكون قد توافر في شأنه شرط التأهيل العلمي اللازم لشغل وظيفة مراقب حسب نصوص قرار مجلس الخدمة المدنية رقم 25/2006 وهو ما يعنى – دون النظر إلى مدى أحقيته في شغل الوظيفة المتنازع عليها أن القرار الطعين لم تلحقه أية مخالفات جسيمة تنحدر به إلى درجة الانعدام – كما ذهب إلى ذلك الحكم المطعون فيه – وبالتالي يتقيد الطعن عليه بالمواعيد المقرر لرفع دعوى الإلغاء ، وإذ يبين من الأوراق أن القرار قد صدر بتاريخ 7/2/2007 متضمناً ترقية دعوي المطعون ضدها إلى وظيفة مراقب حسابات ولم تبادر المذكورة بالتظلم منه إلا بتاريخ 21/1/2008 ثم أقامت دعواها طعناً عليه بتاريخ 24/3/2008 رغم عملها اليقيني به في تاريخ معاصر لصدوره من خلال تواجدها على رأس عملها وصيرورتها مرؤوسة للمطعون على ترقيته من تاريخ شغله لوظيفة مراقب ، ومن ثم فإن دعواها بطلب الغاء القرار المشار إليه تكون غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد المقرر قانوناً.
وإذ قضى الحكم المطعون فيه بخلاف ذلك فإنه يكون قد صدر معيباً بما يوجب تمييزه في هذا”[51]
المبحث الرابع:- دعوى الإلغاء
المطلب الأول:- مفهوم دعوى الإلغاء
عرف فقه القانون الإداري دعوى الإلغاء بإنها ” دعوى قضائية ترفع إلى القضاء لأعدام قرار إداري صدر على عكس ما يقضى به القانون ” [52]، أو تعرف بانها الدعوى التي يباشرها القضاء الإداري بواسطة الطعن في قرار إداري معين يطالب بإلغائه بسبب عدم مشروعيته ،[53] ويعرفها الباحث بانها الدعوى التي ينظرها القضاء الإداري ويطالب بها الأفراد بمقتضاها بإلغاء قرار إداري صادر على عكس ما تقضى به قواعد المشروعية .
المطلب الثاني :- شروط رفع دعوى الإلغاء
يشترط لقبول دعوى الإلغاء ان يوجد مصلحة من قبل الشخص الذى أصابه الضرر من القرار الإداري ، ولا تسمع الدعوى بدون وجود مصلحة فيها ، ولابد من وجود مصلحة ضرورية وحتمية لرفع الدعوى ، [54] وحتى ترفع الدعوى لابد من أن يقع الطعن على قرار إداري معيب في عدم مشروعيته وهذا لأن القرار الإداري هو عمل قانوني ويجب أن يكون القرار الإداري صادر بصفة نهائية ، وصادر عن سلطة إدارية وطنية ، وخاضع للولاية القضائية ، وتتشابه الشروط في كلا القانونين المصري والكويتي.[55]
لقد حكمت محكمة التمييز في أحدى أحكامها الخاصة بدعوى الإلغاء على ” كما أنه من المقرر أنه ولئن كانت جهة الإدارة غير ملزمة بتسبيب قرارتها ، إلا أنه إذا ذكرت الإدارة أسبابا فإنها تخضع لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مطابقتها للقانون ، واثر ذلك في النتيجة التي أنتهى إليها القرار، وعلى المحكمة التحقق من توافر وصحة الوقائع المادية والقانونية التي حملت جهة الإدارة على إصدار قرارها.
لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلغاء قرار استبعاد نجل المطعون ضده من أكاديمية سعد العبد الله للعلوم الأمنية تأسيساً ( على أن جهة الإدارة قد أفصحت بصورة واضحة عن سب عدم قبوله بالأكاديمية ، وهو قبوله بالحرس الوطني ، وذلك استناداً إلى الاتفاق بين الأجهزة العسكرية بمنع الازدواجية في القبول ، وقد ثبت عدم صحة ذلك السبب استناداً إلى الكشوف المقدمة من الجهة الإدارية بشأن اسماء المقبولين بالحرس الوطني ، واكاديمية سعد العبد الله للعلوم الأمنية حيث تبين قبول عدد من الطلبة بالحرس الوطني تم قبولهم بعد ذلك في الاكاديمية (بكلية الشرطة) مما ينفى صحة الأسباب التي قام عليها القرار المطعون فيه برفض قبول نجل المطعون ضده ، ومن ثم يكون القرار الطعين غير قائم على سبب صحيح ، وأنتهى الحكم إلى القضاء بإلغائه ، وبإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به برفض الدعوى وكان هذا الذي خلص إليه الحكم وبنى عليه قضاءه سائغاً لا مخالفة فيه للثابت بالأوراق ، وبغير مخالفة لصحيح حكم القانون.
ولا ينال من ذلك ما تثيره الجهة الإدارية من أنه لا يجوز الاستدلال أو القياس على أخطائها في وقائع مماثلة لإقامتها عماداً للحق المطالبة به لأن الخطأ لا يبرر الخطأ ولا يقاس عليه ، فهذا مردود عليه بما استقر عليه قضاء هذه المحكمة ـ إن مدار أعمال هذه القاعدة أن تصدر جهة الإدارة قراراً أدارياً خاطئاً ـ أيا كان وجه العيب فيه ـ ثم تعاود إصدار قرار أخر قياساً عليه، ومن ثم فلا يجوز الاعتداد بالقرار الأول عند إصدار الثاني ، أو إدخاله كعنصر من عناصره، لأن مخالفة القانون لا تبرر التمادي في مخالفته لمنافاة ذلك لمبدأ المشروعية ، ويجوز للإدارة ـ في هذه الحالة ـ التحدي بهذه القاعدة ، أما في حال إصدار الإدارة قراراً تفرق فيه بين اصحاب المراكز القانونية المتماثلة ، وموطئا للتمييز بينهم ، بما يخل بمداي تكافؤ الفرص والمساواة باعتبارهما من دعامات المجتمع على هذه الحالة لا يجوز للإدارة التحدي بهذه القاعدة ، لعدم وجود قرار سابق خاطئ يقاس عليه ، ولكون القرار المطعون فيه نفسه أنطوى على التمييز بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة وهو ما يصمه بعيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها الذي يبرر إلغاء القرار الإداري ، ويغدو هذا النعي ـ بهذه المثابة ـ لا أساس له من صحيح حكم القانون. ولما تقدم، يتعين رفض الطعن.“[56]
يبدأ ميعاد الطعن في دعوى الإلغاء ستون يوماً من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه بالجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح الحكومية أو إعلان صاحب الشأن به أو ثبوت علمه به علماً يقينياً ، وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الجهة الإدارية مصدرة القرار أو إلى الجهات الرئاسية لها ، وأنه ولابد أن يتم التظلم خلال ستون يوماً من تاريخ تقديمه ، وإذا صدر القرار بالرفض أو لم تجب عنه السلطات المختصة خلال المده فإنه يعد بمثابة رفض ضمني ويحسب ميعاد رفع الدعوى من تاريخ الرفض الصريح أو الضمني حسب الأحوال.
الخاتمة :-
في خلال البحث ناقشنا القرار الإداري من حيث ماهيته ومعرفة مفهوم القرار الإداري ولقد عرفه بإنه إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها سلطة بمقتضى القوانين والأنظمة وذلك يقصد إحداث أو تعديل مركز قانونيا معين متى كان ذلك ممكناً أو جائزاً قانوناً ” ويستفاد من هذا التعريف ان من الممكن الطعن على القرارات الإدارية ، ودراسة الخصائص المميزة للقرار الإداري من حيث أنه عمل قانونيا ويصدر عن الإرادة المنفردة ويصدر عن سلطة إدارية وطنية ويحدث تغيير في المراكز القانونية ، وفى المبحث الثاني ناقش أركان القرار الإدارية الشكلية من حيث الاختصاص والإجراءات وبيان الأركان الموضوعية من حيث المحل والسبب والغاية وفى المبحث الثالث ناقش اجتهادات الفقه والقضاء حول الفرق بين القرار الإداري الباطل والمنعدم وفى المبحث الرابع دراسة دعوى الالغاء وأسبابها .
المراجع:-
- سليمان الطماوي، مبادئ القانون الإداري، دار النهضة العربية ، ط7، 1965.
- عبد الغنى بسيوني ، القانون الإداري ،دار الفكر العربي ، القاهرة ،ط12، 1988 .
- سامى جمال الدين ،الدعوى الإدارية والإجراءات أمام القضاء الإداري ، منشأة المعارف ، 1990.
- محمد جمال مطلق الذنيبات ،الوجيز في القانون الإداري ، دار وائل للنشر ، 2003 ، ص198.
- نواف كنعان ،القانون الإداري الأردني ، الكتاب الثاني ، ط1، 1996.
- سليمان الراجحي ،وقف تنفيذ القرار الإداري “دراسة مقارنة بين القانونين الأردني والكويتي ” ، رسالة ماجستير، كلية الحقوق جامعة الشرق الأوسط، الأردن ، 2013.
- محمد الشريف ، ومؤلفين آخرين ، القانون الإداري “الدعاوى الإدارية ” ، جامعة الكويت ،ط1، 2004 .
- حمدي القبيلات ،القانون الإداري ،القرارات الإدارية ،العقود الإدارية ،الأحوال العامة الوظيفة العامة ،ج2 ،دار وائل ،عمان ،الأردن ، ط1، 2010.
- عبدالوهاب ،محمد رفعت ،عاصم أحمد ،أصول القانون الإداري ،مطبعة النهضة ،القاهرة ، 1984.
- محمد حافظ محمود ،القرار الإداري “دراسة مقارنة” ،دار الفكر العربي ،ط1،القاهرة ، 1975.
- رائد محمد يوسف ،نفاذ القرارات الإدارية بحق الفراد “دراسة مقارنة بين الأردن ومصر” ، رسالة ماجستير ، قسم القانون العام ،كلية الحقوق ،جامعة الشرق الوسط ، 2012.
- ناصر الزيدى ـ سحب وإلغاء القرارات الإدارية في دولة الكويت “دراسة مقارنة ” ،جامعة الكويت ،ط1.
- محمد على آل ياسين ، القانون الإداري ،جامعة الكويت ،ط1 ، 1999.
- الزين عزرى ،الأعمال الإدارية ومنازعاتها ،مطبوعات مخبر الاجتهاد القضائي وأثره على حركة التشريع ،جامعة محمد خيضر ،بسكرة ،الجزائر ،2010.
- سعيداني ياسين ، ركن الشكل والإجراءات في القرار الإداري ،رسالة ماجستير ،جامعة زيان عاشور ، الجزائر ،2016 .
- الديدامونى مصطفى أحمد ، الإجراءات والأشكال في القرارات الإدارية ،دراسة مقارنة في النظام المصري والفرسى والعراقي ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1992، ص11.
- أحميد هنية ،عيوب القرار الإداري “حالات تجاوز السلطة ” ،مجلة المنتدى القانوني ،دورية تصدر عن قسم الكفاءة المهنية للمحاماة ،كلية الحثوث والعلوم السياسية ،جامعة محمد خيضر بسكرة ،العدد 5، 2008 .
- أكرم مساعدة ” القرار الإداري دراسة تحليلية مقارنة بين مصر والأردن “،دار وائل للنشر، 1992.
- طعيمة الجرف ، نظرية أنعدام التصرفات القانونية وتطبيقاتها على القرارت الإدارية ،مجلة العلوم الإدارية ،السنة3، العدد 1، 1961.
- محمد عبدالعال السنارى ،القرارات الإدارية في المملكة العربية السعودية ،الرياض.
- مصطفى أبو زيد فهمى ،القضاء الإداري ومجلس الدولة ،دار المعارف، ط2،القاهرة ،1966.
- رمزى محمود نايف، القرار الإداري بين البطلان والانعدام “دراسو مقارنة” ، رسالة دكتوراة ، كلية الدراسات القانونية العليا، الأردن ، 2005 .
- محمد عبدالله الدليمى ، تحول إقرار الإداري ،الدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع ،ط1، عمان ،2001.
- محسن خليل ، قضاء الإلغاء ،دار المطبوعات الجامعية ، 1998، ص29.
- محمد عبدالسلام ،نظرية المصلحة في دعوى الالغاء،القاهرة ،بدون دار نشر ،1981.
- رحيم سليمان الكبيسى ، حرية الإدارة في سحب قراراتها “دراسة مقارنة في القانون المصري والفرنسي ” رسالة دكتوراة ،جامعة القاهرة ،2000م.
- خالد سمارة الزعبى ، القرار الإداري بين النظرية والتطبيق “دراسة مقارنة ” ط2،مكتبة دار الثقافة للنشر والتويع ،عمان ،1999م .