بسم الله الرحمن الرحيم
باسم صاحب السمو أمير الكويت
الشيخ/ صباح الأحمد الجابر الصباح
محكمة التمييز
الدائرة الجزائية الثانية
بالجلسة المنعقدة علنا بالمحكمة بتاريخ 5 من ربيع الاول 1435هـ الموافق 2013/1/6م
برئاسة السيد المستشار/ | سالم عـوض محمد الخضيــر | وكيل المحكمة | ||
وعضوية السادة المستشارين/ | عبــدالله جـاسم العبــدالله وكيل المحكمة | و |
ممـــــدوح يوسف يوســــف
|
|
و سيد الدليل | و | خالد مقلد | ||
وحضور الأستاذ/ | محمد السنباطي | رئيس النيابة | ||
وحضور / | جراح العنزي | أمين سر الجلسة |
صـــــدر الحكــــــم الآتــــــي
في الطعن بالتمييز المرفوع من : بسام …………….
ضـــــــــــــد
النيابة العامة.
والمقيد بالجدول برقم 374 لسنة 2010 جزائي2.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن:
بسام …………………..
بأنه في يوم 2009/7/27 بدائرة دولة الكويت:
1-نشر مقالاً صحفياً بمجلة ……… في العدد رقم 548 الصادر بتاريخ 2009/7/27 بعنوان هذا هو الامام شيخ الاسلام بن تيمية يا ….. تضمن صورة تحض على كراهية وازدراء فئة من فئات المجتمع, وذلك على النحو المبين بالتحقيقات.
2- بصفته رئيس تحرير مجلة …… أجاز نشر المقال موضوع التهمة الأولى دون أن يتحرى الدقة والحقيقة في شأن ما نشر فيه, على النحو المبين بالتحقيقات.
وطلبت عقابه بالمواد 2/3-4-9, 17/1, 21/7, 23, 24, 27/1-3-2 من القانون رقم 3 لسنة 2006 في شان المطبوعات والنشر.
ومحكمة الجنايات قضت حضورياً بتاريخ 2010/2/14:
بتغريم المتهم ثلاثة ألاف دينار عما أسند إليه.
استأنف الطاعن.
ومحكمة الاستئناف قضت بتاريخ 2010/5/10: بقبول الاستئناف شكلاً, وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق التمييز.
المحكمـــــــــــة
بعد الاطلاع على الأوراق ، وسماع المرافعة ، وبعد المداولة:
حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذا دانه بجريمتي نشر صورة تضمنت الحض على كراهية وازدراء فئة من فئات المجتمع, وإجازة نشر مقال دون تحري الدقة والحقيقة قد ران عليه البطلان, ذلك أنه خلا من نص القانون الذي حكم بموجبه, وهو ما يعيبه ويستوجب تمييزه.
لما كان ذلك, وكان قضاء هذه المحكمة محكمة التمييز- قد جرى على أن كل حكم بالإدانة يجب أن يشتمل على نص القانون الذي حكم بموجبه, وهو بيان جوهري اقتضته قاعدة شرعية الجرائم والعقاب, وإذ كان الحكم الابتدائي المأخوذ بأسبابه والمؤيد بالحكم المطعون فيه قد خلا من ذكر نص القانون الذي أنزل بموجبه العقاب على الطاعن, فإنه يكون باطلاً, ولا يصحح هذا البطلان ما أورده في أسبابه من أنه يتعين معاقبته عملاً بالمادة 172 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية, ذلك أن المقصود هو نص القانون الموضوعي الذي يجرم الفعل ويعاقب عليه, وليس القانون الإجرائي, كما أنه لا يعصم الحكم المطعون فيه من أن يمتد إليه عيب هذا البطلان أن تكون العقوبة المقضي بها مما تدخل في حدود العقوبة المقررة قانوناً للجريمة, وان يكون- والحكم الابتدائي- قد أشار كل منهما في ديباجته إلى مواد الاتهام التي طلبت النيابة العامة تطبيقها, مادام أن كليهما لم يفصح عن أخذه بها, ولما كانت إحالة الحكم المطعون فيه إلى أسباب الحكم المستأنف- الباطل- وتأييده في منطوقه, فيستطيل إليه هذا البطلان, لما كان ما تقدم, فإنه يتعين تمييز الحكم المطعون فيه, بغير حاجة إلى بحث سائر أوجه الطعن الأخرى.
ومن حيث أن الاستئناف صالح للفصل فيه.
وحيث إن الحكم المستأنف الصادر بإدانة المتهم- المستانف- باطل, وذلك على النحو المار بيانه, فيتعين الحكم بإلغائه عملاً بالمادة 209 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية.
وتشير المحكمة تمهيداً لقضائها في موضوع استئناف المتهم, انه بالنسبة للقرار الصادر من مجلس الوزراء رقم 268 بتاريخ 2011/2/13 بإلغاء البلاغات المقدمة من وزارة الإعلام قبل هذا التاريخ ضد وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة, ومن ضمنها البلاغ المقدم ضد المتهم, فإنه لما كان من المقر أن العفو الشامل هو إجراء تشريعي تعبر به السلطة التشريعية عن إرادتها في إسقاط الآثار المترتبة على تجريم فعل بالنسبة للمستقبل, وستند العفو الشامل إلى نص المادة 75 من الدستور التي يجري نصها على أنه:” للأمير أن يعفو بمرسوم عن العقوبة أو ان يخفضها, أما العفو الشامل فلا يكون إلا بقانون وذلك عن الجرائم المقترفة قبل اقتراح العفو.”, وهو ما يبين منه أنه العفو الشامل لا يكون إلا بقانون وذلك عن الجرائم المقترفة قبل اقتراح العفو.
وإذ كان ذلك, وكان ما تضمنه قرار مجلس الوزراء المشار إليه- حتى تاريخ صدور هذا الحكم- لم يصدر فيه قانون وفقاً لنص المادة 75 من الدستور, ومن ثم لا يعد ما تضمنه عفواً شاملاً, وليس له ثمة أثر قانوني أما المحاكم الجزائية هذ إلى أن المرسوم رقم 306 لسنة 2013 في شان العفو عن عقوبة الغرامة المحكوم بها على بعض الاشخاص الصادر بتاريخ 17 نوفمبر 2013م لم يشمل الطاعن بالعفو في الجنحة رقم 2009/474 جنح صحافة محل الطعن, ومن جانب آخر فإن الجريمة التي أسندتها النيابة العامة كسلطة أتهام إلى المستأنف ليست من جرائم الشكوى التي حددها نص المادة 109 من الإجراءات والمحاكمات الجزائية, كما أنه ليست أيضاً من بين الجرائم التي نصت عليها المادة 240 من القانون ذاته على سبيل الحصر والتي يجوز فيها الصلح أو العفو الفردي من المجني عليه, ومن ثم فإن التنازل الصادر من وزارة الإعلام عن البلاغ المقدم منها ضد المستأنف لا آثر له على الدعوى الجزائية, ولا يترتب عليه تطبيق الحكم الوارد في المادتين 110, 241/1 من القانون المشار إليه.
وحيث إنه عن موضوع الاستئناف فإن وجيز الدعوى يتحصل في تقدم وكيل وزارة الإعلام إلى النيابة العامة ببلاغ ضد المستأنف قولاً منه أن المتهم نشر مقالاً صحفياً بمجلة …… في العدد رقم 548 الصادر بتاريخ 2009/7/27 بعنوان: هذا هو الإمام شيخ الاسلام بن تيمية يا ……, تضمن صورة تحض على كراهية وازدراء فئة من فئات المجتمع وهم طائفة الشيعة, بتشبيههم بسمكة قرش تريد افتراس الآخرين, وان المستأنف بصفته رئيس تحرير المجلة المذكورة أجاز نشر المقال الصحفي موضوع الاتهام دون أن يتحرى الدقة والحقيقة.
ومن حيث أنه تبين من الاطلاع على النسخة الأصلية من العد رقم 548 الصادر بتاريخ 27/7/2009 أن غلاف المجلة تظهر عليه صورة زجاجة ماء وبداخلها خريطة جمهورية إيران ومدون عليها قم وقزوين وخريطة للخليج العربي ورسم لقرش على راسه عمامة سوداء يفتح فاهه وهو بالزجاجة باتجاه خريطة دولة الكويت وفوق ذلك كتب عنوان: هذا هو الإمام شيخ الإسلام بن تيمية يا ……”, وفي الصفحات 6, 7, 8 من المجلة تضمنت مقالاً بذات العنوان المار ذكره وذات الصورة في الصفحة 6 وجاء في مقدمة المقال ما يفيد أنه رداً على تصريح فيه تطاول على شيخ الإسلام ابن تيمية سبق نشره, وأورد الكاتب في المقال مقتطفاً من التصريح الذي أشار إليه في مقاله, بانه يصف الكتب الدراسية انها تتضمن مناهج تكفيرية كتبت بأقلام بعض المتحجرين والتكفيريين المتأثرين بأفكار ابن تيمية, ثم أورد كاتب المقال- المتهم- في رده على ذلك التصريح نبذة عن سيرة ابن تيمية, اسمه ونسبه والعصر الذي عاش فيه وتحصيله للعلم ومؤلفاته وما هي أبرز كتبه, دفاعاً عن هذا العالم الجليل.
لما كان ذلك, وكان المقال محل الاتهام قد جاء على النسق المتقدم بيانه خلواً من الإساءة لأي شخص أو تعييب لتصرفات ومعتقدات فئة من فئات المجتمع بما يحض على كراهيتها أو ازدرائها, وأن المستفاد من سياق عباراته وفي جملته أنه بيان لسيرة أحد علماء المسلمين الأجلاء لمن يجهل هذه الشخصية وما تركه من علم خدمة للإسلام والمسلمين, وخلا المقال من الألفاظ المشينة أو التي لا يقتضيها المقام, وجاء بأسلوب علمي هادئ متزن رداً على تصريح صدر من أحدهم طعناً بالشيخ الجليل والمناهج الدراسية واصفاً إياها بالتكفيرية وانه كتبت بأقلام بعض المتحجرين والتكفيريين المتأثرين بأفكار العالم الجليل ابن تيمية, ولم يخرج فيه المتهم عن حدود النقد المباح لمن صدر عنه التصريح, ودون المساس بكرامة أي فئة من فئات المجتمع أو الحض على كراهيتها أو ازدرائها, وهو ما يترتب عليه ثبوت حق المتهم في نشر وإجازة ذلك المقال ممارسه منه لحرية الصحافة في النشر وصولاً لأداء رسالتها في خدمة المجتمع, كما ان هذه المحكمة بعد أن أحاطت بواقعة الدعوى والصورة موضوع الاتهام- لا تساير النيابة العامة فيما ذهبت إليه من أن الصورة المنشورة تتضمن ما يعد حضاً على كراهية وازدراء أبناء الطائفة الشيعية في البلاد, وان المقصود منها إثارة مشاعر الكراهية تجاههم, أو الطعن فيهم أو في عقائدهم أو مذهبهم الديني, على نحو ما جاء ببلاغ وزارة الإعلام, إذ أن المذهب الجعفري ليس مختزلاً بعمامة أو بلد معين بل هو قائم على فقه عبادات ومعاملات وهو منتشر في كثير من البلدان, ولا يمكن القطع بان المقصود بتلك الصورة تمثيل للطائفة الشيعية بدولة الكويت, خاصة وان الصورة المتمثلة بقرش معمم وخلفه دوله أخرى, وحسب الرسم فإنه محاط بزجاجة تحجبه عن دولة الكويت, وهو ما يؤيد صحة دفاع المتهم الذي تطمئن إليه هذه المحكمة من أنه لم يقد بتلك الصورة تمثيل طائفة الشيعة في دولة الكويت بقرش معمم, وإنما قصد بها رئيس الاركان الإيراني لتصريحه بوجود 16000 شخص في دول الخليج العربي ومنها دولة الكويت على أهبة الاستعداد للقضاء على المصالح الاجنبية في هذه الدول, وانه اختار القرش لكونه شعار للبحرية الإيرانية, ومن جهة اخرى فإن الاحكام الجزائية يجب ان تبنى على اليقين والواقع لا على محض فروض احتمالية وجدلية, او شكوك لا تصدق حتماً في كل حال ومؤدى ذلك أنه لا يجوز التوسع في تأويل ما ترمز إليه الصورة موضوع الاتهام وتحميلها أكثر مما تحتمل, وتخلص هذه المحكمة مما سلف بيانه ان المقال والرسم ليس فيهما ما يعد مساً بكرامة أي فئة من فئات المجتمع او الحض على كراهيتها أو ازدرائها, ولم يتضمنا ما حظره المشرع بنص المادة 21 فقرة 7 من القانون رقم 3 لسنة 2006 في شان المطبوعات والنشر, والذي طلبت النيابة العامة مساءلة المتهم طبقاً لها, أو غير ذلك مما تضمنه القانون سالف الكر من أفعال مؤثمة, ومع عدم انطباق مواد الاتهام على الواقعة, فإنه تنتفي بذلك أركان الجريمتين المسندتين إلى المتهم بما يكون لازمه تبرئته مما أسند إليه, عملاً بنص المادة 172/1 من الإجراءات والمحاكمات الجزائية.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :-
أولاً: بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتمييز الحكم المطعون فيه.
ثانياً: وفي موضوع الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وببراءة المتهم مما نسب إليه.
أميـــن سـر الجلســة |
وكيل المحكمة |
منعم