مضار الجوار غير المألوفه
– لم تكن القوانين الا نصوصاً منظمة لسلوك الافراد في كافة مناحي الحياة ويقصد بها استقرار السكينة العامة تحت مظلة تحمي المجتمع من التصرفات الفردية المخالفة للنظام العام واحدى هذه التشريعات قانون البلدية ولوائحه المنظمة والاطار العام لمقصد المشرع في اصدار مثل هذا القانون هو تنظيم عميلة البناء بشكل عام وتحديد ماهية المخالفات والعقوبات المترتبة عليها وكذا ما يستتبع ذلك من شروط والتزامات .
ولكن ما يهمنا من طرح هذا الرأي هو التركيز في مسألة مضار الجوار غير المألوفة .
- ولعل ظاهرة مخالفات البناء في وقتنا الحاضر برزت بشكل كبير بحيث ترى التفاوت في عدد الأدوار بين منزل وآخر بشكل يخالف التنظيم الحضاري للدولة .
لذلك عندما صدر القانون الجديد للبلدية رقم 33 لسنة 2016 شدد في المادة 38 منه على العقوبات المقررة في هذا الشأن ” ٠٠٠٠ على الزام المخالف بإزالة المخالفة و رد الشيء إلى اصله و وضعه السابق مع الغرامات المنصوص عليها ٠٠٠٠٠٠٠ “.
- هذا من جانب التنظيم القانوني ، ولكن هناك من المخالفات التي قد تعتبر مضار أخرى ومنها ما قد يترتب على الجيران من مضار اثناء الأعمال الإنشائية في السكن الخاص .
و من الجدير بالملاحظة تكرر الشكوى من عدم احترام المتعهد بالبناء لأوقات العمل المقبولة حيث يقوم بعضهم بالعمل في أوقات الصباح الأولى او في أوقات الاجازات مثل يوم الجمعة وهذا له تأثير سلبي على المجتمع حيث تنعدم السكينة والراحة بسبب توقيت هذه الاعمال ، ويعتبر أيضا من قبيل المخالفات كل تعدي على الشارع او الممرات بوضع مخلفات البناء او تخزين مواد البناء فيها وكل ما ورد ذكره على سبيل المثال لا الحصر .
مضار الجوار غير المألوفة
– ليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التي لا يمكن تجنبها وبما له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف على أن يراعي في ذلك العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة للآخر والغرض الذي خصصت من آجله.
– ويجب عدم جواز الاضرار بين الجيران ولو كان العمل سبب الضرر مرخص له من الجهة الإدارة .
القيود التي ترد على حق الملكية :
لم يعد المالك الجار حراً في ملكيته مطلقاً ، فلا يحق له الاضرار بمن يجاوره مستنداً في ذلك إلى أنه مالك حر في ملكه يفعل ما يشاء .
– فإن كان بالفعل حراً فيما يملكه إلا أنه مقيد حين استعمال ملكه إلا يكون هذا الاستعمال ضاراً بالجار ، فإن كان الضرر من الاضرار المألوفة ومن الطبيعي أن يحدث حين استعمال المالك لملكه فلا مسئولية وأما أن كان الضرر غير المألوف وجبت مسؤوليته .
وهناك شروط في قيود حق الملكية :
١- على المالك ألا يغلو في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار.
٢- وليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التي لا يمكن تجنبها وإنما لمن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف على أن يراعي في ذلك العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة للآخر والغرض الذي خصصت له .
٣- لا يحول الترخيص الصادر من الجهات المختصة دون استعمال هذا الحق .
– وقد نص على هذا الأمر القانون المدني المصري في مادته ٨٠٧
وهذا النص جوهري في المشروع ويقرر التزامات الجوار فيجعلها التزامات قانونية ، وهي الآن لا مصدر لها إلا القضاء المصري قررها مهتدياً في تقريرها بالشريعة الإسلامية فقننها المشرع كما هي مقرره في القضاء المصري وفي الشريعة الإسلامية معاً فأصبحت التزامات مستقرة ثابتة لها مصدر معروف وهو نص القانون .
والمبدأ الأساسي الذي وضعه النص هو نهي المالك على أن يغلوا في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار فهناك شرطان لمسئولية المالك .
* ضرر يصيب الجار
– غلو المالك في استعمال حقه :
– والمهم هو تحديد هذا الغلو فقد تبين أن العمل الضار بالجار لا يوجب المسئولية حتماً بل لابد أن يكون في العمل غلو من المالك في استعمال حقه .
– والغلو له معياراً مرناً لا قاعدة جامدة فالغلو يتصف به كل عمل يحدث ضرراً غير مألوف للجار فالمعيار إذاً هو الضرر غير المألوف .
– ويجب التسامح فيما يحدثه الجيران بعضهم لبعض من ضرر مألوف ، وإلا غلت أيدي الملاك عند استعمال حقوقهم أما إذا أحدث عمل العمال ضرراً غير مألوف بالجار فإنه يصبح مسئولاً عن تعويض هذا الضرر .
– يحق للمالك أن يتصرف كيف يشاء في خالص ملكه الذي ليس للغير حق فيه ، فيعلي حائطه ويبني ما يريده ما لم يكن تصرفه مضراً بالجار ضرراً فاحشاً أو مخالفا للنظام المقرر في هذا الشأن .
فالضرر الفاحش هو الضرر غير المألوف فالضرر الفاحش ما يكون سبباً لوهن البناء أو هدمه أو يمنع الحوائج الأصلية أي المنافع المقصودة من البناء .
أما ما يمنع المنافع التي ليست من الحوائج الأصلية فليس بضرر فاحش.
** ولتحديد حالة مضار الجوار غير المألوفة تحديداً دقيقاً يجب أن نميز بين الحالات الثلاثة التالية :
١- الخطأ في استعمال حق الملكية
– فحق الملكية ليس حقاً مطلقاً بل أن على المالك أن يستعمله في حدود القوانين واللوائح التي تقيد من حق الملكية فإذا هو أخل بأي التزام فرضته عليه هذه القوانين واللوائح ، كان الإخلال بهذا الالتزام خطأ يستوجب مسئوليته التقصيرية ( كإدارة محل مقلق للراحة بغير ترخيص ) .
– فالقواعد العامة تطبق تطبيقاً كاملاً على المالك إذا أضر جيرانه في استعماله ملكيته .
– وإذا ارتكب المالك خطأ بانحرافه عن سلوك الشخص المعتاد فأضر بالجار ، كان مسئولاً عن تعويض أي ضرر يصيب الجار مهما ضؤل هذا الضرر ( أحدث ضجيج في حي هادئ) وليس هذا إلا تطبيقاً للقواعد العامة في المسئولية التقصيرية.
٢- التعسف في استعمال حق الملكية
ويتحقق هذا التعسف في استعمال حق الملكية كالتعسف في استعمال أي حق آخر نصت عليها المادة ٣٠ من القانون المدني الكويتي وهي :
أ- إذا كانت المصلحة التي تترتب عنه غير مشروعة .
ب- إذا لم يقصد به سوى الاضرار بالغير .
ج- إذا كانت المصلحة التي تترتب عنه لا تتناسب البته مع الضرر الذي يلحق بالغير .
د- إذا كان من شأنه أن يلحق بالغير ضرراً فاحشاً غير مألوف .
– والمالك لا يكون مسئولاً إلا إذا تجاوز الضرر الذي أصاب الجار الحد المألوف ، أما إذا لم يتجاوز هذا الحد وبقي في نطاق الضرر المألوف الذي لا يمكن تجنبها بين الجيران فهو غير مسئول فمسئولية المالك أذاً تكون عن الضرر غير المألوف للجوار أي عن الضرر الفاحش الذي يصيب الجار .
– ويمكن ارجاع الشروط الواجب توافرها في حالة مضار الجوار غير المألوفة كلاها إلى فكرة الغلو في استعمال المالك لحق الملكية ومعنى الغلو هذا هو أن يصيب المالك في استعمال حق ملكيته الجار بضرر غير المألوف .
** أما فيما يتعلق بتقدير الضرر غير المألوف والأساس القانوني الذي يقوم عليه الالتزام بالتعويض عنه وكيف يكون هذا التعويض
- لذلك يتعين بحث هذه المسائل الثلاث فيما يلي ليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التي لا يمكن تجنبها وإنما له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف على أن يراعي في ذلك العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى الآخر والغرض الذي خصصت من أجله .
- ويجب عدم جواز الاضرار بين الجيران ولو كان العمل سبب الضرر مرخصاً له من جهة الإدارة الأساس القانوني الذي يقوم عليه الجار الالتزام بالتعويض عن الضرر غير المألوف.
- فإذا كانت النصوص القانونية تنشئ التزاماً قانونياً في جانب المالك بعدم إصابة الجار بضرر غير مألوف قامت مسئولية المالك فإذا أخل المالك بهذا الالتزام القانوني وجب عليه بالتعويض .
- وإذا قلنا أن هناك أن حق الملكية ليس مطلقاً بل ترد عليه قيود وهو عدم الغلو في استعماله حتى لا يلحق الجار من جراء هذا الاستعمال ضرر غير مألوف ومن ثم فإن المالك الذي غالى في استعمال حقه وألحق بجاره ضرراً غير مألوف يكون قد خرج وتعدى عن حدود حق الملكية .
- وبالخروج عن حدود الحق خطأ بالمعنى المعروف إذ هو انحراف عن السلوك المألوف للشخص المعتاد فتكون مسئولية المالك في هذا القول قائمة على الخطأ بمعناه المعروف .
** التعويض عن الضرر غير المألوف :
– أما يكون تعويضاً نقدياً يقضي به القانون طبقاً للقواعد العامة فيعوض الجار عن الخسارة التي لحقته وعن الكسب الذي فاته .
– وأما أن يكن تعويضاً عينياً بإزالة الضرر .
– ويجوز للقاضي أن يلجأ إلى الغرامة التهديدية فيقضي بغرامة مالية على المالك عن كل يوم أو عن كل وحده أخرى من الزمن لا يقوم فيها بإزالة الضرر أو القيام بالأعمال المحددة في الحكم .
** نظرية التزامات الجوار في الشريعة الإسلامية :
– أنقسم فقهاء الشريعة الإسلامية حول جواز تقييد انتفاع مالك العقار بملكه لمصلحة جاره أو عدم جواز ذلك إلى فريقين أحدهما يقول بالتقييد والآخر يذهب إلى الاطلاق .
– فمن ذهبوا إلى الاطلاق أبو حنيفة وأصحابه وكذلك الشافعي وأحمد بن حنبل وحجتهم في ذلك أن الملكية التامة الثابتة لمالك العقار تستلزم بالضرورة أن يكون للمالك مطلق الحرية في الانتفاع بملكه كيفما شاء وعلى أي وجه أراد ولا يرد على هذا الحكم المطلق في زعم هذا الفريق .
– إلا استثناء واحد ينحصر في حالة ما إذا تعلقت بالمالك حقوق للغير كالدار المشتركة بين اثنين لأحدهما العلو وللآخر أسفل وحكمه أن يكون الانتفاع به مشروطاً بما لا يفوت مصلحة الغير .